الأربعاء، 26 مايو 2010

كانت العلاقات بين الناس في الماضي

جلسة معا احد كبار السن والذي جاوز 70 عام وأخذنا نتجاذب أطراف الحديث الذي تخللته بعض الدعابة وأخذنا نقارن الماضي بالحاضر ، وهو يسترسل معي في ضرب الأمثال والقصص عن الأولين وتنتاب كلماته بعض الزفرات و التناهيت ، وبعد مفارقتي له قررت أن استشهد ببعض معلوماته وخبرت ماضيه في طرح هذا الموضوع مستعين ببعض ما تطرقنا له ، من تكاتف اهل القبيلة او القرية او الأسرة على وجه الخصوص ، فمع استقلالية الأسرة في معيشتها وشؤنها الخاصة إلا أن الأسر في القرية الواحدة أو الجيران من ناحية التعاون والتكافل تعد اسرة واحدة كبيرة، ويتضح تعاونها في مواسم الزراعة والحصاد ورعي الأغنام وبناء المنازل وحفر الأبار، والمشاركة الفعالة بكل الأمكانيات في جميع المناسبات، ولا يقبل في هذه النواحي عذر وكان الطابع السائد الصدق والمودة والإيثار والتضحية والمشاركة بالغالي والرخيص كيف لا وبينهم علاقات النسب والجيرة والمعرفة والدين والإنسانية.. لم يكن في قاموسهم الحسد والتشفي والكيد والشماتة، ولم يكن عيب أن يطلب أحدهم من جاره(مد حب) ليعشي أو يغدي أهل بيته ولا يستطيع الجار تقديم عذر إلا إذا كان غير قادر على الوفاء به، وكانوا يعرفون أن الحياة أسلاف يوم لك ويوم عليك ولا بد للعاقل أن يحسب حساب المستقبل وأنه سيحتاج جاره طال الزمن أو قصر.. كان يتم استعارة (طبخة بن) للضيف والجمر لتوليع النار أو الكبريت لتوليع القازة أو الفانوس عند بداية التقدم المادي.. كان من الطبيعي طلب (طاسة) لبن (لبلال) العشاء أو الغداء ونقس البصل وقطعتين (لحم)لعمل( معرق).. قد يكون الطلب ذبيحة أو جزء من المزرعة لزراعتها لمن تكون حيازته الزراعية صغيرة أو استخدام الجمل أو الثيران وطلب التعاون بين الأسر في مواسم إعداد الأرض للزراعة كالقصاب والحزام والصرام والدياس، وهذه نشاطات زراعية موسمية.. كان يمكن أن يغيب رب الأسرة ويعلم أن جيرانه لن يقصروا ولن يحدث شيء لأسرته في غيابه.. من مظاهر التعاون على مستوي القرية نقل الحصى لبناء البيوت و(التطيين) وهو تسقيف البيت بالخشب والطين ويشارك حتى النساء عن طريق إحضار الماء من البئر لتجهيز الطين.. أخراج الثور عند ما يسقط في البئر حيث يصيح الصائح من أعلى مكان في القرية (افزعو يا جماعه) ثور الفلاينة طاح في البير ... ويتوافد الرجال بأسرع ما يمكن وكل واحد معه حبله، الذي سيستخدم لتشريك الثور وسحبه لإخراجه من البئر وكان عمل شاق ولكن بمساعد الخالق والتعاون يتم إخراجه.. و لعل من أهم ميزات الزمن الماضي أنه حسب المقولة الشائعة (الطارف سديد) بمعنى أن أي واحد من القرية يمكن أن ينوب عن المجموعة في التعامل مع القرى الأخرى، وكانت الكلمة واحده، وكلمة العاقل تحترم من الجميع.. كان هناك عناية خاصة با(الفزاعه) وهم من يستعان بهم من أهل القرية في إنجاز عمل من الأعمال الزراعية سواء أثناء البذر أوالحرث او التقصيب أو الصرام، وقد يصل إكرامهم إلى حد ذبح خروف والقيام بواجب الضيافة والإكرام.. ولكن ماذا عن وقتنا الحاضر فنحن في زمن لا يعرف الجار جاره ولا الأخ أبن أخية!!!! لنقارن الماضي بالحاضر ونتطلع للمستقبل..نعم تغيرت طبيعة الحياة وتغيرت العلاقات، وقل الآمان الاجتماعي والاستقرار النفسي والمشاركة في الخير والتعاون على التغلب على الشر اختفت وربما إلى الأبد..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق