الأربعاء، 26 مايو 2010

شهر رمضان المبارك الذي أُنزل فيه القرآن، والذي يتعبد فيه المسلمون لربهم بأعظم العبادات وأجل الطاعات، عبادة الصوم، عبادة السر التي قال الله تعالى عنها كما في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي"(1). ومعلوم أن لهذا الشهر فضائل عظيمة جعلته يتميز عن سائر الشهور ولهذا كان له من الاهتمام والميزات في قلوب المسلمين والمؤمنين ما يجعلهم ينتظرون قدومه، ويستعدون للقائه، ويهيئون أنفسهم ويسألون الله أن يبلغهم رمضان ويعينهم على الإحسان فيه صياماً وقياماً وزكاةً واعتكافاً.هذا هو شأن الصالحين من هذه الأمة سلفاً وخلفاً يفرحون لقدوم هذا الشهر الطيب المبارك ويتمنون أن يدركهم رمضان وهم أحياء ليتقربوا إلى مولاهم ويتعرضوا إلى رحمات الله ونفحاته ويستغفروا الله ويتوبوا سائلين مولاهم العظيم أن يعتق رقابهم من النار في هذا الشهر العظيم فالصوم حماية ووقاية من النار فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصوم جُنّة يستجن بها العبد من النار"(2) وقال أيضاً: "من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً"(3).كما أنهم يتلمسون فيه رحمة ربهم ودخول الجنات، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن في الجنة باباً، يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد"(4).كما أنهم يبتغون في الصوم غفران الذنوب وتكفير السيئات أخذاً بقول الله تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) (هود: من الآية114). ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة"(5). وبقوله: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر"(6). وبقوله: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"(7).فالصالحون من هذه الأمة يحرصون على الخير وكانوا أحرص الناس عليه، لذا تراهم قبل دخول هذا الشهر يعكفون على كتاب ربهم يتلونه ويتدارسونه ويقبلون عليه إقبالاً جميلاً ويكثرون من صيام النوافل مثل الأيام البيض من كل شهر ويومي الإثنين والخميس ويوم عرفة ويوم عاشوراء ويوم قبله أو بعده وكذلك الإكثار من صوم أيام شهر شعبان وشهر رجب. فيأتيهم رمضان وهم بعد في اشتياق ولهفة وحنين إلى الصوم ومكابدة ساعات الليل في القيام والتهجد والوقوف بين يدي مولاهم، عسى أن يغفر لهم، ويتوب عليهم، ويجاهدون النفس في لذائذها وفتورها ونومها، وكذلك يجاهدون شحها فيبذلون أنفس ما لديهم لإخوانهم الفقراء متقربين بذلك إلى ربهم ومولاهم العظيم، فهذا هو دأب الصالحين اقتداءً بسيد المرسلين، صلى الله عليه وسلم، الذي كان يفرح لقدوم هذا الشهر المبارك ويعظمه ويهتم به أيّما اهتمام، وكان يفرغ لعبادة ربه في ليل هذا الشهر ونهاره صائمً قائماً وخاصة في العشر الأواخر منه طمعاً في أن يصيبوا قيام ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر رجاء الدخول في رحمة الله ومغفرته فكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلّغنا اللهم رمضان"(8). وإذا بلغهم رمضان جدُّوا واجتهدوا في العبادة وأخلصوا لله وهم على وجل خشية أن لا يقبل منهم صومهم وقيامهم، فتراهم خاشعين كأنهم مرضى، وما هم بمرضى فإذا انقضى رمضان حزنوا عليه حزناً شديداً، كأن القوم فقدوا عزيزهم وحبيبهم الذي يبلغهم منازل الأبرار فتراهم مشفقين يسألون الله أن يتقبل منهم صلاتهم وصيامهم وصدقاتهم واعتكافهم، وتمر الأيام والليالي وقلوبهم شاخصة إلى رمضان القادم لما وجدوا في رمضان الماضي لذة الطاعة وحلاوة النجوى وأنس القربى فيصومون النوافل انتظاراً للغائب الحبيب ووصالاً لتلك الطاعة العظمى، وتمر السنون وهم ما بين مستقبل متلهف مشتاق يدنو بناظريه إلى قدوم هذا العزيز الغالي، وبين معانق لياليه يكابد السهر ويعالج النوم واقفاً يتلو آيات الله ويناجي ربه في جوف الليل، ويستشعر عظمة الله، ويوقن بأنه قريب إليه حيث ينزل ربنا إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الأخير ليغفر الذنوب ويتجاوز عن المسيء، وإذا انقضى الشهر المبارك، يلهجون بالذكر والدعاء أن يتقبل منهم فإنه سبحانه جواد كريم.هذه بعض ملامح استقبال الصالحين السابقين لرمضان، وكيف يكون حالهم. أما حال كثير من الناس اليوم فمما يؤسف له ويقطع القلب حزناً ويزيد النفس ألماً وحسرةً أن ترى بعضهم إذا قدم رمضان كأنهم في ضيق وشدة، وكأن ضيفاً ثقيلاً ينوء بكلكله عليهم فقطع منهم الأنفاس وتحشرجت الروح في الصدور، لِمَ كل هذا؟! لأن رمضان في نظرهم، يحب عنهم الشهوات، ويمنعهم الملذات: ملذات المطعم، والمشرب، والنساء، هذا في المباح فضلاً عما يقترفونه من ملذات محرمة، فتراهم يعدون الساعات والأيام والليالي ويفرحون بانقضائه وانتهاء أيامه ولياليه فهم على مر أيام السنة ولياليها غارقون في الملذات والشهوات والمباحات والمحرمات فإذا أتى رمضان حرمهم من هذه وتلك ورأوا في التقيد بآداب هذا الشهر وفرائضه وواجباته عبئاً ثقيلاً يهجم عليهم يمنع عنهم ما ألفوه واعتادوا في سالف أعمارهم.حتى إنهم يستقبلون صغائر الأمور وتوافهها بصدر رحب وبشاشة الوجه وفرحة القلب، فيبذلون ما لديهم من كرائم أموالهم وأنفس أوقاتهم فيبذلون الغالي والنفيس لاستقبال مباراة لكرة القدم مثلاً، حتى صارت أغلى لديهم من رمضان وأحب إلى قلوبهم وتناسوا عظائم الأمور وجهلوها.كما أننا لو نظرنا إلى واقعنا ورأينا الناس قبل رمضان بأيام قليلة في الأسواق يحملون ما لذ وطاب وما يكفيهم الشهور لا الشهر الواحد، ولتعجب من هذا الأمر، وكأن الأسواق سوف توصد ولن تفتح بعد هذا الوقت، وانقلب شهر الصوم إلى شهر التفنن في صنع أنواع الطعام النادرة، حتى صار شهر التخمة والسمنة، وأمراض المعدة، وانقلب هذا الشهر من شهر القيام والتهجد والبكاء من خشية الله والتذلل بين يديه انقلب إلى شهر النوم في النهار، وقضاء جل الوقت أمام أجهزة التلفاز والفيديو، أو تضييع هذا الوقت في حفلات السمر وصحبة الأشرار، وانقلب هذا الشهر من شهر الإحساس بالجوعى والفقراء والمساكين ومواساتهم إلى شهر الانغماس في الشهوات حتى الثمالة، فمتى يفيق هؤلاء الناس؟!إذاً فالبون شاسع والمسافة بيننا وبينهم بعيدة هكذا هو الحال والواقع الذي لا مفر من الاعتراف به، وتلك هي الحقيقة المرة(9)، من أجل ذلك كان لزاماً علينا أن نتعرض بشيء من الإيضاح لبعض الدروس والعبر من مدرسة الصوم التي تربت فيها الأجيال، فيما مضى ونأمل في أن تعود الأجيال المعاصرة إلى الالتحاق بهذه المدرسة العظيمة لنرى رجالاً كأولئك الأطهار الأبرار سلف الأمة من العلماء والعباد والزهاد رضي الله عنهم أجمعين.إنني عندما أشير إلى ما كان عليه السلف الصالح فإنني أهدف إلى شحذ الهمم وإيقاظ العزائم والاقتداء بهؤلاء الأفذاذ، (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام : من الآية90) (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر: من الآية18).

كانت العلاقات بين الناس في الماضي

جلسة معا احد كبار السن والذي جاوز 70 عام وأخذنا نتجاذب أطراف الحديث الذي تخللته بعض الدعابة وأخذنا نقارن الماضي بالحاضر ، وهو يسترسل معي في ضرب الأمثال والقصص عن الأولين وتنتاب كلماته بعض الزفرات و التناهيت ، وبعد مفارقتي له قررت أن استشهد ببعض معلوماته وخبرت ماضيه في طرح هذا الموضوع مستعين ببعض ما تطرقنا له ، من تكاتف اهل القبيلة او القرية او الأسرة على وجه الخصوص ، فمع استقلالية الأسرة في معيشتها وشؤنها الخاصة إلا أن الأسر في القرية الواحدة أو الجيران من ناحية التعاون والتكافل تعد اسرة واحدة كبيرة، ويتضح تعاونها في مواسم الزراعة والحصاد ورعي الأغنام وبناء المنازل وحفر الأبار، والمشاركة الفعالة بكل الأمكانيات في جميع المناسبات، ولا يقبل في هذه النواحي عذر وكان الطابع السائد الصدق والمودة والإيثار والتضحية والمشاركة بالغالي والرخيص كيف لا وبينهم علاقات النسب والجيرة والمعرفة والدين والإنسانية.. لم يكن في قاموسهم الحسد والتشفي والكيد والشماتة، ولم يكن عيب أن يطلب أحدهم من جاره(مد حب) ليعشي أو يغدي أهل بيته ولا يستطيع الجار تقديم عذر إلا إذا كان غير قادر على الوفاء به، وكانوا يعرفون أن الحياة أسلاف يوم لك ويوم عليك ولا بد للعاقل أن يحسب حساب المستقبل وأنه سيحتاج جاره طال الزمن أو قصر.. كان يتم استعارة (طبخة بن) للضيف والجمر لتوليع النار أو الكبريت لتوليع القازة أو الفانوس عند بداية التقدم المادي.. كان من الطبيعي طلب (طاسة) لبن (لبلال) العشاء أو الغداء ونقس البصل وقطعتين (لحم)لعمل( معرق).. قد يكون الطلب ذبيحة أو جزء من المزرعة لزراعتها لمن تكون حيازته الزراعية صغيرة أو استخدام الجمل أو الثيران وطلب التعاون بين الأسر في مواسم إعداد الأرض للزراعة كالقصاب والحزام والصرام والدياس، وهذه نشاطات زراعية موسمية.. كان يمكن أن يغيب رب الأسرة ويعلم أن جيرانه لن يقصروا ولن يحدث شيء لأسرته في غيابه.. من مظاهر التعاون على مستوي القرية نقل الحصى لبناء البيوت و(التطيين) وهو تسقيف البيت بالخشب والطين ويشارك حتى النساء عن طريق إحضار الماء من البئر لتجهيز الطين.. أخراج الثور عند ما يسقط في البئر حيث يصيح الصائح من أعلى مكان في القرية (افزعو يا جماعه) ثور الفلاينة طاح في البير ... ويتوافد الرجال بأسرع ما يمكن وكل واحد معه حبله، الذي سيستخدم لتشريك الثور وسحبه لإخراجه من البئر وكان عمل شاق ولكن بمساعد الخالق والتعاون يتم إخراجه.. و لعل من أهم ميزات الزمن الماضي أنه حسب المقولة الشائعة (الطارف سديد) بمعنى أن أي واحد من القرية يمكن أن ينوب عن المجموعة في التعامل مع القرى الأخرى، وكانت الكلمة واحده، وكلمة العاقل تحترم من الجميع.. كان هناك عناية خاصة با(الفزاعه) وهم من يستعان بهم من أهل القرية في إنجاز عمل من الأعمال الزراعية سواء أثناء البذر أوالحرث او التقصيب أو الصرام، وقد يصل إكرامهم إلى حد ذبح خروف والقيام بواجب الضيافة والإكرام.. ولكن ماذا عن وقتنا الحاضر فنحن في زمن لا يعرف الجار جاره ولا الأخ أبن أخية!!!! لنقارن الماضي بالحاضر ونتطلع للمستقبل..نعم تغيرت طبيعة الحياة وتغيرت العلاقات، وقل الآمان الاجتماعي والاستقرار النفسي والمشاركة في الخير والتعاون على التغلب على الشر اختفت وربما إلى الأبد..